الرسوم الصخرية واستيطان اليمن في عصور ما قبل التاريخ
الرسوم الصخرية واستيطان اليمن في عصور ما قبل التاريخ
الرسوم الصخرية واستيطان اليمن في عصور ما قبل التاريخ
مديحه رشاد
ماري-لويز إينزان
تاريخ دراسات ما قبل التاريخ في اليمن
إن ظهور هذا النوع من الدراسات التي تتناول فترة ما قبل التاريخ في اليمن لا يزال حديثا، ومن أجل فهمها يجب الأخذ بعين
الاعتبار الإطار الجغرافي والسياسي لهذا البلد الذي كان حتى تاريخ 22 مايو 1990م – تاريخ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية – منقسماً
إلى شطرين: في الشمال الجمهورية العربية اليمنية وعاصمتها صنعاء وفي الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – المحمية
البريطانية القديمة – وعاصمتها عدن، وهكذا فقد تطورت الدراسات الأولية للمستوطنات البدائية في اليمن في كل من الشطرين بشكل
مستقل حتى بداية التسعينات.
فالدراسات الأولية المنتظمة للمستوطنات البدائية في عصور ما قبل التاريخ، كانت قد بدأت في الشطر الجنوبي، عندما كان هذا
الجزء من اليمن تحت الحماية البريطانية، وذلك قبل الحرب العالمية الثانية. أما في الشطر الشمالي فإن اكتشافات الرسوم الصخرية
في منطقة صعدة شمال الجمهورية العربية اليمنية عام 1974، دشنت البدايات الأولى لهذه المستوطنات البدائية، التي تعود أيضا إلى
عصور ما قبل التاريخ.
عام 1937- 1938م، ، في الشطر الجنوبي ، -.اكتشاف أول وجود تاريخي للعصر الحجري القديم والعصر الحجري
الحديث، استناداً للدراسات الجيولوجية و تحليل الأدوات الحجرية، وذلك على إثر نتائج المسح الأثري لوادي
حضرموت.
وفي عام 1952م، في وادي حضرموت الكبير أيضا، قامت بعثة أ ثرية أمريكية باكتشاف ورش خاصة بطرق و تهذيب الأحجار،
فضلاً عن وجود تهذيب من نوع خاص لما يسمى "بتهذيب لفا لوازي" ( الذي يميز العصر الحجري القديم الأوسط في عصر ما قبل
التاريخ بشكل خاص، وكذلك وجود رؤوس أسهم مدببة تم العثور عليها في ملجأ صخري بعضها كان مصنوعاً من الحجر الزجاجي
الأسود (الاوبسيديان) ، وبعيدا عن مصادره، مما ساعد على معرفة أن هذا النوع من الاستيطان يعود إلى العصر الحجري الحديث،
غير أننا لم نرصد عن هذه البعثة سوى نتائج أولية.
Amikhanov, 1994, 1996 ::مستوى سفلي لموقع خاباروت على
وفي الشطر الجنوبي كذلك، قامت بعثة سوفيتية بمسح وتنقيب وادي حضرموت وروافده مرة أخرى وذلك في مطلع العام 1983م،
حيث أكدت هذه المسوحات وجود استيطان بشري في فترة ما قبل التاريخ بنمط العصر الحجري القديم الأدنى من خلال اكتشاف
أدوات حجرية تم العثور عليها على سطح الأرض، كما أكدت أيضا وجود استيطان خلال عصر الهولوسين لاسيما في موقع
"حاباروت" الذي اكتشف في المهرة شرق حضرموت والذي يعتبر أول موقع ذي طبقات أثرية يكتشف في هذه المنطقة، الذي تنتمي
أقدم مستوياته إلى عصر الهولوسين الأوسط .
– تمت التنقيبات الأثرية لمدينة شبوة القديمة برئاسة بروتون J.- F. Breton بفضل دعوته في عام 1983 .
تلت البعثة السوفيتية بعثة فرنسية قامت بمسح مدخل حضرموت في منطقة شبوة العاصمة القديمة لمملكة جنوب الجزيرة العربية
sudarabique والتي أكدت هي أيضا وجود أدوات حجرية على السطح تعود للعصر الحجري القديم، وعثرت كذلك على بعض
التواريخ على بعض المواقع المكتشفة في السطح مصحوبة بأدوات حجرية.
مع غياب الطبقات الأثرية و الأدوات النصلية التي ميزت في الأساس العصر الحجري القديم الأعلى على الأقل في أوراسيا، إذ يبدو
أنه كان هناك انقطاع في الاستيطان في إحدى فترات ما قبل التاريخ في اليمن والسبب في ذالك يعود إلى عدم ظهور أي استيطان في
اليمن في الفترة (مابين 35000 و12000 عام) فهل يمكن التخيل بأن جبال جنوب شبة الجزيرة العربية فقدت كل سكانها خلال
فترات الجفاف المفرط الذي أصاب الربع الخالي في العصر الحجري القديم الأعلى؟
– تم نشر نتائج هذه البعثات برئاسة البروفسور بشكل منتظم في بداية الثمانينات
باشرت بعثة إيطالية المسوحات المنتظمة في الشطر الشمالي من اليمن، حيث وضحت وجود استيطان بشري يعود إلى
عصور ما قبل التاريخ في منطقة تهامة وفي الجبال على أطراف الصحراء الوسطى، من خلال وجود بعض الأدوات
الحجرية، تعود للعصر الحجري القديم على السطح ودائما خارج الطبقات الأثرية stratigraphie كتلك التي وجدت
في الشطر الجنوبي. كما حددت أيضا مواقع استيطان في مناطق صخرية أخرى في الشطر الشمالي على وجه
الخصوص في جبال خولان وجنوب شرق صنعاء.
في الواقع لقد شكلت صحراء رملة السبعتين التي اخترقتها حدود الشطرين عائقاً لاكتشاف وفهم تاريخ الاستيطان القديم في هذه البقعة
الواسعة من جنوب الجزيرة العربية. وهكذا فقد كان من الصعب دراسة هذا الحوض الصحراوي الذي يربط طبيعيا بين الجبال في
الشمال وهضاب حضرموت الكبرى. وننوه هنا بأن الممالك القديمة في جنوب الجزيرة العربية كانت موزعة حول هذا الحوض على
مخارج الأودية التي كانت بالقرب من المناطق المنخفضة الوسطى.
Cleuziou et al., 1992.
بفضل تقدم التكنولوجيا الناتج عن إطلاق أقمار اصطناعية جديدة نهاية الثمانينيات و ما قام به. Marcolongo كأول خبير في هذا
المجال من أعمال الترجمة لصور الأقمار الصناعية (landsat، Soyouz et Spot ، والصور الجوية تمكنا من قراءة الماضي
الهيدروجيولوجي للحوض الصحراوي الخاص برملة السبعتين. ومن خلال هذه القراءة تبين لنا بأن منطقة وادي الجوف حاليا عبارة
عن نهر متحجر يعود إلى العصر الهولوسين كان ينبع من منطقة الجبال الواقعة في الشمال و يجري في الحوض الصحراوي الداخلي
عبر هضاب حضرموت مروراً بوادي المسيلة حتى يصل إلى المحيط الهندي خصوصا في آخر فترة مناخية رطبة من
عصرالهولوسين منذ أكثر من 7000عام (الشكل رقم
بعد تحقيق الوحدة اليمنية، تم في عام 1993م إجراء أول فحص فعلي على الأرض لهذه الشبكة المائية القديمة وأحواضها البحيرية
القديمة، وكذلك اكتشاف العديد من المستوطنات التي تحيط بهذه الأحواض والتي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، وذلك بفضل
مساعدة – ولأول مرة – لجهاز يسمى ب GPS ونشير أيضا إلى أن استخدام هذه الأداة كوسيلة استكشاف وتحديد المواقع عبر الأقمار
الصناعية، كان له دور رئيسي ليس فقط من أجل الاهتداء إلى المواقع على الأرض أثناء المسوحات، بل أيضا من أجل العثور على
بقايا صغيرة من مواقع الاستيطان في عصور ما قبل التاريخ، التي تم كشفها سابقاً والمكونة من بعض أحجار المساكن أومن شظايا
الأدوات أو من الأشياء المهجورة التي تظهر ثم تختفي غالبا بين ممرات التلال الرملية.
منذ عام 1996م استطاعت إحدى البعثات ، من خلال دراسة عينات للأحواض البحرية القديمة، في صحراء9 رملة السبعتين من
الحصول على أول تاريخ يخص البيئة القديمة، و منذ ذلك الحين أصبحت الأبحاث الأثرية تقام في إطار واحد من البحر الأحمر
وحتى حدود ظفار في الشرق.
الشكل رقم 3 – الحوض المنحدر من النهر القديم في الجوف وحضرموت . (Cleuziou et al) 1992.
Agrandir Original (png, 50k)
لا يزال هناك بعض الحدود الغامضة في ما يتعلق بالتسلسل التاريخي لثقافات ما قبل التاريخ في اليمن، فقد انتهي العصر
البلايستوسين بعد العصر الجليدي الأخير منذ حوالي 12000سنة و تلاه عصر الهولوسين الذي شكل آخر فترة الدهر الرباعي. كما
سندرك كم تضمنت فترة الحداثة المتميزة بعملية الاستئناس من تغيير جذري في تنظيم الجماعات الإنسانية، فقد ظهرت هذه الظاهرة
الكبرى في اليمن في عصر الهولوسين في الألف السابع – السادس قبل الميلاد.
شكلت الأدوات الحجرية أهم المواد الأثرية المحفوظة، التي يمكن الاستفادة منها، غير إن تلك الأدوات التي تعود إلى عصر
الهولوسين وعصر البلايستوسين تعد دلائل تاريخية وثقافية عامة. في الواقع عكست التقاليد الثقافية لعلماء الآثار وبلا شك تأثر
الجزيرة العربية بالطابع الشرقي .
الاستيطان في جنوب الجزيرة العربية في عصر البلايستوسين (pléistocène)
يعود مهد الإنسان الأول بحسب معرفتنا الحالية إلى أفريقيا الذي ظهر على ما يبدو منذ حوالي 2.5 مليون سنة، وعلى ما يبدو أن
جنوب الجزيرة العربية قد انفصل عن أفريقيا بانفتاح باب المندب. إلا أن الطرق التي سلكها الإنسان الأول عند انتقاله من أفريقيا لم
تتضح بعد.
منذ اكتشاف البقايا البشرية في جورجيا في موقع دمانيسي التي يعود تاريخها إلى 1.77مليون سنة يعود تاريخ الانتشار الأول
لجنس الإنسان خارج أفريقيا إلى بضع مئات الآلاف من السنين. و قبل ذلك كنا نعتبر أن الاستيطان في موقع "العُبيديه" في وادي
الأردن الذي يعود تاريخه إلى 1.4مليون سنة تقريبا كأقدم استيطان بشري عُرف خارج القارة الأفريقية آنذاك، ومع ذلك لا زلنا
نجهل الطرق التي سلكها أجدادنا القدماء الأوائل أثناء خروجهم من أفريقيا الشرقية نحو أوراسيا، و الدور الذي لعبته اليمن بحكم أنها
الأقرب من مصدر الإنسانية.
ومن اجل ذلك لقد بنيت العديد من الفرضيات :- طريق أو عدة طرق أرضية أفريقية من غرب البحر الأحمر حتى شبه جزيرة
سيناء وبعد ذلك نحو منخفض الجزيرة العربية وآسيا، وطريق آخر بحري عبر البحر الأحمر باتجاه اليمن(انظر الباب الثاني) ثم
تستمر الهجرة نحو الشرق باتجاه عمان ثم إيران ثم شبة القارة الهندية.
15 Prat, Marchal, 2001 : من اجل معرفة من هم أجدادنا القدماء (البعيدين).
كيف ومتى حدث الاستيطان الأول في جنوب الجزيرة العربية، وعبر أي نوع من الجنس البشري تم استيطانها؟ وهناك أسئلة لانزال
نجهل إجاباتها .