السبيبة

السبيبة
السبيبة احتفال سنوي عكف سكان جانت على احيائه سنويا، وتتزامن الاحتفالات مع بداية كل سنة هجرية حيث تبدأ التحضيرات من اول شهر محرم لتختتم في العاشر منه الموافق ليم عاشوراء عيد ديني يصومه جمع كبير من المسلمين عبر مختلف قارات العالم.
الحاج طاقابو قاسم رئيس جمعية السبيبة أوضح لنا ان السبيبة تعني شهر عاشوراء، وشهر محرم، وما توارثوه عن الأجداد فان سبب الاحتفال هو انتصار سيدنا موسى على فرعون بعدما نجى الله نبينا موسى عليه السلام وأغرق فرعون وجنوده.
و عن التفسيرات الأخرى اكد السيد طاقابو قاسم رئيس جمعية السبيبة انها مجرد تخمينات و تحليلات مزروعة من قبل مؤرخين أجانب و يتناقلها الاعلام و لا تخدم الا مصالحهم و هي محاولة لتزييف التاريخ وفق ما يتماشى و اجندات الاستعمار ، فمنطقتنا تعرضت و تتعرض لاستلاب حضاري من خلال تشويه و تدليس و تلبيس تظاهراتنا الثقافية بإدخال تفسيرات غريبة عن قيمنا و مقوماتنا ، و الدارس للتاريخ يرى مدى توغل الاستعمار الثقافي من خلال ما نسبه المغامر هنري لوط الذي يعتقد الكثيرون انه مكتشف الطاسيلي و ما هو في الحقيقة الا مكلف بمهمة لدى فرنسا لكتابة تاريخ المنطقة بعدسات فرنسية حيث حينها كانت ليبيا محتلة من قبل الطليان فالتنافس بينهما في افريقيا جعل كل منهما يكتب التاريخ لمنطقتنا وفق ما يخدم توسعه في افريقيا .
ان السبيبة مناسبة دينية بامتياز ومرتبطة بشهر محرم وعاشوراء والاحتفال بها قديم جدا فرسومات منطقة سفار ومنطقة تماجرت تؤكد ذلك من خلال اللباس والأقنعة التي يمكن لأي زائر ان يراها ولا توجد هذه الرسومات الا في أعالي التاسيلي وتلبس الى الان وبها يتم احياء الذكرى.
ان الروايات التي تحكي عن صالح تم بين قبيلتين اقتتلا في القرون السابقة مجرد نسج خيال للإثارة و إشاعة الخرافات و ترسيخ مبدا العنف كأساس لتاريخ المنطقة ، و لو كان ذلك حدث بالفعل فان التارقي كان سيؤرخ لها و كنا وجدنا ذلك في الرسومات او النقوش الصخرية و التي تتعدى الالاف ، فالرسومات و الخط التيفيناغي أرخ لكل المناسبات فيكف يغفل عن حروب حدثت بالمنطقة ، و لذلك فان ربط السبيبة بصلح بين قبيلتين بعد حرب فهذا امر بعيد عن المنطق و المنهج العلمي ، و حتى في الموروث الشفهي للآباء و الأجداد لم نسمع بمثل هكذا رواية .
ان السبيبة هي عاشوراء بكل اختصار والرسوم المنتشرة في أعالي جبال التاسيلي بأشكالها وكتاباتها ونقوشها فيها عربات تجرها حيوانات وخيول ورسمها دليل مادي على وجود مواصلات واتصال فيما بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ووصول خبر نبأ انتصار سيدنا موسى عليه السلام كان ضمن احدى هذه العربات والقوافل التي كانت تجوب افريقيا.
ومنذ ذلك التاريخ ولحد الساعة والى ان يرث الله الأرض ومن عليها يظل التوارق يحتفلون بهذه الذكرى العظيمة التي انتصر فيها الحق على الباطل، فاتخذوها محطة لترسيخ قيم الحق ونصرته والوقوف عند امجاد العظماء والابطال، لتكون قدوة لهم ولأبنائهم وللأجيال التي من بعدهم، ان كل ما يكتب من تحاليل وتفسيرات أخرى فهي لإبعاد المؤشر الديني وأي مغزى ديني لهذه المناسبة و ربطها بالأوثان و معاني تخدم أهدافا استعمارية و تثبت اركانه ،و تحطيم القيم الإسلامية و نزع ثوب الدين و هو في النهاية خدمة للثقافة الأوروبية التي لم نعرف لها سوى استئصال و اجتثاث أسس الحضارة من اصلها لتحل هي محله كالمنقذ لنا من التخلف و الجهل و هذا تردده الدهماء و تلوكه السنة البله عندنا .
وأكد السيد طاقابو رئيس جمعية السبيبة على ان التظاهرة هي شهر محرم الذي انتصر فيه موسى على فرعون.
وقد اتخذت هذه المناسبة عدة مظاهر فيما بعد، وتحولت الذكرى للابتهاج بالنصر الى إضافة معاني أخرى لها وتم استغلالها ثقافيا وسياحيا واقتصاديا واجتماعيا.
بوادي ايجريو يلتقي الجمعان ودي ايجريو يقسم مدينة جانت الى حيين كبيرين و فيه يتم اللقاء و تتم المنافسة النهائية في شكلها الختامي بين حي الميهان و حي زلواز، ان اختيار المكان لم يأت صدفة بل لان لكل من الحيين و على ضفاف ودي ايجريو بساتين يرعونها على مدار السنة ، و عند عاشوراء يلتقيان في الوادي الفاصل بينهما فيتخذونه مسرحا للمنافسة حيث من مكان لوغيا بساتين سكان الميهان او الميزان و من مكان تيليلين بساتين سكان زلواز ينطلق الحفل الكبير ،وسط اهازيج النسوة و زغاريدهن اللائي يحمسن و يشعن الفريقين من خلال ما يرددن من شعر الحماسة و الفخر تارة و من الهجاء تارة أخرى و هذه الاشعار متوارثة منذ قديم الزمان جيلا عن جيل .
سبيبة عادة من عادات سكان مدينة جانت وهذا منذ امد بعيد حيث وتبدأ التحضيرات لهذا الطقس ليلة الفاتح من شهر محرم الى غاية التاسع منه وهذه التحضيرات تسمى عند الأهالي قيمو لاوين وهي المرحلة الاولي وكلمة تيموين تحمل معنى التبليغ والأعلام، مند اللية الأولى تخرج النسوة ويبدأن بالضرب على الدف إيذانا وإعلانا عن انطلاق فعالية هذه التظاهرة والتي تمتد الى يوم التاسع، وهذ التدريبات لها أماكن مخصصة لها في كل من حي الميزان داق اخداجي وفي حي زلواز تفريرت.
خلال هذه التدريبات يقدم خلالها مجموعة من الشبان أروع تعبيرات جسدية على نغمات ودقات الدفوق المصاحبة على شكل نصف دائر ويطلق عليها باللسان المحلي (أجديم) في ان واحد يقوم مجموعة من الشيوخ كبار السن المحترفين بالمراقبة للمستعرضين طيلة ايام تيمولاوين.
من جهة أخرى تيمولاوين هي طور يعرف فيه عدد الافراد الذين يمكنهم المشاركة بجدارة في تيللين وهذا طبعا بعد عملية الفرز واختيار أولئك الذين يكون لهم شرف ارتداء القناع نكومبوت.
وفي الليلة الثامنة تتوقف التدريبات في حي الميزان ويسمى-تامولي تمقرت-ويتبعه الجميع إلى زلواز حيث تدوم السهرة في تلك الليلة الى غروب القمر – وكبار السين يقومون بانتقاء المشاركين لليوم الموعود.
وها هو اليوم العاشر من شهر محرم يوم عاشوراء الذي يسمى عند الاهالي تيللين وكلمة تيللين تعنى مكان اللقاء في وسط -واد اجريو-(ليس هناك منصة ولا كراسي المشاهدين إما واقفين أو جالسين)
يستغرق طقس سبيبة في ذلك اليوم الموعود اليوم كله، ويتم اللقاء على مرحلتين، فترة صباحية وفترة مسائية، ويتوافد كل سكان المدينة رجالا ونساء شيبا وشبابا يما فيهم الضيوف والسواح المحليين والاجانب الذين يرتبون رزنامة خاصة لهذا الموعد.

يبدا الاستعراض والتفاخر بإبراز كل أنواع السيوف والأقنعة والألبسة في رقصة حربية يظهر فيها المحارب شراسته في أداء رمزي لمدى قوته وبسالته، ويشرف حكام من الخبراء لتقييم اداء الحيين فيتم تصنيف أحسن لباس وأحسن سيف واقوى شعر وأفضل أداء وتنسيقا فيما بين فريقي الحي، هذا التنافس يهدف الى تدريب النشء على الشجاعة والفروسية وتجشم الصعاب وترسيخها لديهم لاستغلالها عند ظروف مجابهة او التصدي الى أي عدو محتمل.
وفيما حكاه لنا السيد طاقابو رئيس جمعية السبيبة فان الاحتفال بالذكرى يكاد يكون مقدسا لدى التوارق وعدم الاحتفال به يعد مجلبة للشر ومناداة له ونذير شؤم على الجميع، فالتغلب على الآفات والامراض وكل الشرور لا يكون الا بإبعادها من خلال مظاهر ابداء الفرحة والتفاؤل والغبطة والسرور، وهذا ما تصبو اليه السبيبة في أحد أهدافها، فشكل الحرب والاشعار الحماسية ما هي في النهاية الا مسرحية امتزجت فيها ابعاد ثقافة التارقي مع أفكاره لترسخ قيما فاضلة واخلاقا سامية لدى النشء والأجيال القادمة.
ومن بين القصص المثيرة عن السبيبة قال لنا السيد طاقابو قاسم رئيس جمعية السبية وهذا فيما يروى عن اسلافه انه كان يتوجب على أي عضو من أعضاء الفرقة للحيين ان يحضر ويشارك في المناسبة ولا عذر لأي كان في التخلف عن الموعد، وحدث ان كان أحد الأعضاء من الملثمين الذين يحسنون ملاعبة السيف بعيدا عن الديار وهو في حدود السودان تذكر الموعد، فتفاجا وحمل امتعته وتوجه مسرعا نحو جانت للمشاركة لكن المسافة بعيدة ولن يصل الى الموعد ابدا، ولكن بالرغم من ذلك واصل المسير ليل نهار و لكنه للأسف و هو في الطريق دقت ساعة السبيبة فماذا يفعل ؟؟؟ توقف مدة طويلة وهو يفكر ثم هداه رشده الى ارتداء اللباس في الزي الرسمي بكل المقاييس من قبعة ورداء وسيف وقام لوحدة في الصحراء بالمنافسة حتى خرت قواه وسقط ميتا شهيد الوفاء والكلمة.
وبعد فوز أحد الحيين على الاخر في إطار المنافسة الثقافية وحملته من أنشطة لابد من تقييم لسبب الهزيمة، وبناء على سبب الإخفاق تتشكل جمعية وتدرس وتشخص الأسباب وتضع الحلول ويبدأ الاستعداد لعاشوراء القادمة فلو ان السبب في اللباس او الطاقية فيجب ان يؤتى بأحسن منها وبعدد أكبر من أي سوق في السودان –النيجر او نيجيريا. كانو-
وبمثل هذه المنافسات تتحرك العجلة الاقتصادية فيما بين دول الجوار والتي هي بدورها لها مناسبات احتفالية يزورها توارق جانت في غات ليبيا، او اجاداز النيجر لهم أيضا سبيبة ولكنها ليست بقوة سبيبة الجزائر، والتي تعد البطاقة التعريفية لمدينة جانت، فجانت والسبيبة تكاد تكونان كلمتين تحمل نفس المعنى لمدى تجذر هذه المناسبة في الضمير الجمعي للسكان وهذا طيلة قرون عديدة، فهوية جانت انصهرت مع السبيبة ليتحدا في صورة واحدة متناغمة، تأخذ من المكان سحره وجماله ومن التراث قيمه ومثله وافضاله.
وفي عاشوراء تحضر النسوة تيدياوين وهي اكلة من أرقي الاكلات توزع على جميع سكان القصرين –ايغرمان-زلواز والميهان وحتى الاحياء الأخرى، كما ويستغل التوارق المناسبة لإخراج الزكاة العشور كعادة كل سكان الوطن.
ان مناسبة السبيبة من المحطات التي يستغلها أصحاب الوكالات السياحية لترويج منتوجهم السياحي، و كما اشرت سابقا فان السبيبة هي البطاقة و الهوية لمدينة جانت، فان المشتغلين بالقطاع السياحي يتأسفون لعدم استغلال هذه المناسبة لفائدتهم، و كانوا سابقا يتم برمجة رحلات تتزامن مع المناسبة و هذا ما أكده لنا السيد بن دحان احمد مدير وكالة خاصة، فغلق المواقع في الصيف، وعدم استغلال السبيبة في تنمية السياحة لا يخدم المواطن و لا الاقتصاد الوطني، خاصة و نحن نبحث عن موارد غير المحروقات.

بوعلام-ج