العربية تتسع لمختارات الشاعر البنجابي أماجيت تشاندان
المختارات التي ترجمها عبدالكريم كاصد وعنونها بـ “رسائل تصل متأخرة” مفعمة بالذكريات الأنقى والأصفى التي تحمل الصور الأقرب للقلب بكل تناقضاتها.
ترسم تجربة الشاعر والمترجم البنجابي أماجيت تشاندان حياة زاخرة بالاشتباك مع توترات العالم السياسي والاجتماعي والإنساني، تلك التوترات التي تنعكس على الرؤى والأفكار لتخلق تلك التجربة الفريد في توهجها، وعلى الرغم من أن المختارات التي ترجمها الشاعر والمترجم العراقي عبدالكريم كاصد وعنونها بـ “رسائل تصل متأخرة” مفعمة بالذكريات الأنقى والأصفى التي تحمل الصور الأقرب للقلب بكل تناقضاتها، لكن ذلك لا يحول دون رؤية التوتر الذي يضطرم داخل الشاعر المغترب في بريطانيا دون أن يفقد تواصله مع وطنه الأم.
ولد تشاندان في نيروبي في كينيا سنة 1946، وحين بلغ الثامنة من عمره عاد هو وعائلته إلى البنجاب التي شهدت التقسيم بين الهند والباكستان. أمضى معظم حياته في مدينة صغيرة تدعى ناكودار في مقاطعة جالاندهار في الهند. والده امتهن العديد من المهن فقد كان نجاراً ثمّ مصوراً كما عُرف بصفته شاعراً. حاز شهادة البكالوريوس من الجامعة الهندية التي كانت آنذك تسمى بجامعة البنجاب، وفي عشرينياته انخرط في العمل السياسي فانتمى إلى إحدى الحركات اليسارية التي ازدهرت في الستينيات والسبعينيات، فكان هذا الانتماء سببا في اعتقاله إذ أمضى عامين في السجن.
ويشير كاصد في الكتاب الصادر عن مؤسسة أروقة للنشر أن تشاندان في سنة 1980هاجر إلى لندن التي لا يزال يعيش فيها حالياً. نشر ثماني مجموعات شعرية وأربعة كتب نقدية باللغة البنجابية. ظهرت قصائده في عدّة أنطولوجيات ومجلات في لغات مختلفة. ترجم إلى البنجابية ما يقرب من ثلاثين أنطولوجيا احتوت نصوصاً شعرية ونثرية من مختلف آداب العالم، ومن بين الشعراء الذين نقل أشعارهم إلى لغته: بريخت، نيرودا، ريتسوس، ناظم حكمت، كاردينال، جون بيرجر. اختير من بين عشرة شعراء ليوم الشعر العالمي سنة 2001، كما شارك في مهرجان الشعر العالمي في إدنبرة في السنة ذاتها.
حاز جوائز أدبية عديدة من جهات ثقافية مختلفة، كما ترجمت أشعاره إلى بعض اللغات الأخرى من بينها اليونانية حيث صدرت له مجموعة بعنوان “ارتديني”. نُقشت إحدى قصائده باللغتين الإنكليزية والبنجابية على منحوتة من صنع الفنان أليك بيفر في ساحةٍ بشارع هاي ستريت سلو في وسط العاصمة البريطانية. صدرت له مجموعتان باللغة الإنكليزية هما: “سوناتا بأربع أيدٍ”، “الببغاء والحصان والرجل”.
ويلفت كاصد إلى أن القصائد المنشورة في المختارات هي من المجموعتين المذكورتين الصادرتين بالإنجليزية، بالإضافة إلى القسم الخاص ببعض قصائده التي لم يحتوها كتابٌ بعد.
نماذج من المختارات:
صندوق الأمّ
ها هو صندوق الأم مليء بأشيائها
خرق، شراشف سميكة، لُحُفٌ
مغزولةٌ منسوجة مطرّزةٌ
ثياب أحسنت حفظها
لها رائحةُ الخشب الورديّ القديم
وصدأُ المسامير
وعطرُ فصولٍ ستّةٍ.
حين يكون الصندوق في منأىً عن تناولها
تبدأ الأشياء هامسة بأحاديثها عنها وعن أطفالها
دون أن تعرف هذه الأشياء أننا نعلم كلّ ما يدور من أسرارها.
ثوب أمي لا ينطق
ثوبها الذي احتفظت به لرحلتها الأخيرة
وثوبي الذي ضقتُ به طفلاً.
تقول أمي:
حين أرحل لا تنسَ أن تهبه أخاك ليرتديه.
ثمة حزمة في الصندوق
لا أحدَ مسموح له أن يلمسها.
أين صندوق الأم؟
كان هنا منذ لحظةٍ.
Poetry
اجعليني قلادة لأطوّق عنقك
إلى أبي
مثلما علّمتني كتابة أوّل حرف
في كتاب اللغة البنجابية
ماسكاً يدي المرتعشة بيدك
علّمتني أن أمسك الكاميرا
لأركّز محدّقاً في الوجوه .. في بؤبؤ العين
وأضغط الزرّ حابساً نَفَسي
كما لو أنه بندقيةٌ محملةٌ برصاص الحياة.
أين أنت الآن أبي؟
ألا يمكنك أن تأخذ إجازة من الموت؟
أرغب أن ألتقط صورةً لي وأنا جالسٌ إلى جانبك وومضة في عينيّ.
أتذكرٌ تلك الصورة التي التقطتها لنا منذ سنين
ونحن ملتصقان خدّاً إلى خدّ؟
لم تُظهر الصورة النتوء في حنجرتك.
سنتبادل الصور
تلك التي التقطتُها للوجوه التي لم ترها
والأماكن التي لم تزرها
وبمقدورك يا أبي أن تريني
ما التقطت من صور في وادي الموتى.
الماء يسيل إلى الخلف
الماءُ يسيل إلى الخلف
إلى منبعه.
يا له من طريق طويل!
الماء يحمل معه زمناً ميّتاً
غيوماً مثقبة بالرصاص
وشباك صيادين جائعين.
النهر يقول
تعال إلى الساحة!
هنالك يسكن رانجا
انضمّ إليّ!
ارتديني
ارتديني
أرغب أن أحتكّ بكلّ ملمسٍ من جسدك
اجعليني قلادة
لأطوّق عنقك.
ارتديني كما يرتدي الجسدُ الروح
والصوتُ الكلمة
والبذرةُ قشرتَها
والكتابُ لمسةَ اليد
والبحرُ السماء
وكما يرتدي الله العالم
ارتديني.