اللوحة والصمصاد بأدرار
اللوحة والصمصاد بأدرار
اللوحة والصمصاد بأدرار
في توات العميقة ، في الزقاق الضيق والطويل الذي لا يتعدى عرضه متر ونصف ويتعدى
طوله عشرة امتار هناك مَعْلمْ طوبي لتدريس القرءان يدعى محليا (الجامع، او اقربيش)
هناك يتم اعدادك كرجل صالح وحافظ اوخاتم لكتاب الله وشخص صبور، في طريقك الى
هناك و قبل ان تصل هذا المكان المبارك تسمع اصوات وهمهمات مختلطة وكأن الملائكة
تسبح الرحمان حول العرش، انهم فتية القرءان وفتيان الرحمان ازدحموا في غرفة طوبية
اولاد وبنات من مختلف الاعمار يتوسطهم شيخ يبرق النور من وجهه يدعى الطالب يحمل
كل واحد فيهم قطعة خشبيه مصفحة لا يتعدى سمكها واحد و نصف سانتيمتر بينما يختلف
الطول والعرض حسب السن وسورتك من القرءان تدعى (اللوحة) ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ *
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) هاته اللوحة بيضاء تغسل او تمسح بالماء وطين ابيض يسمى
(الصمصاد) كان يجلب من منطقة تواتية تدعى بودة واظن الكل يتفق معي ان قلت ان
طعمه لذيذ ولعله كان وجبة خفيفة لاحدهم حين يطول الجلوس في الجامع، هاته اللوحة
تكتب عليها ايات بينات من ذكر الله بمداد خاص بعلبة خاصة تسمى (المدوات او الدواية) .
المدوات او الدواية كانت تصنع غالببا في علبة صغيرة من البلاستيك او من الزوجاج من
السكر المطبوخ جيدا حتى يصبح السكر متخثرا يميل لونه الى لون القهوة وهذا ما جعل
طعمها يبدو مغريا للبعض فكانت تستخدم للاكل قبل مهمتها الاساسية او تصنع كذلك من
حبوب نبتتة معروفة في الصحراء (تسمى الدبغ او هڨرڨر) تهشم تلك الحبوب وتطبخ جيدا
حتى تتحول الى سائل يصنع منه مداد يوضع في تلك العلبة مع شيئ من القطن او زغب
الخراف لها رائحة مميزة طيبة لا تنسى، ليكتب به بواسطة (القَلمَ) والقلم كان يصنع من
سيقان القصب يقطع وينجر بألة حادة ويفتح في رأسه فتحة صغيرة.وهو وسيلة رائعة لتعليم
الخط العربي الاصيل واسأل ان شئت بذلك خبير .
في الجامع، اقربيش، المحضرة لا وجود للبروقراطية والورق والبروتكلات بل المدرسة
تعرف تنظيما ونظاما محكما و واضح، اذا كنت اب واردات التحاق ابنك بالمدرسة ما عليك
الا اخبار المدرس (الطالب) ليحدد لك موعدا لجلب وجبة للمسجد للطلبة هناك تسمى
(الفتوح) عادة ما كانت تكون عبارة عن حساء(مرق) عدس او جلبانة او حمص تقدم للطلبة
مع شيئ من اللحم وبعض الفاكهة حسب جودك وكرمك ويعتقد ان هاته الوجبة كانت فال
خير لتفتح باب الخير للطالب ليحفظ الذكر الحكيم. مع القليل من البركة (نقود) توضع في يد
الطالب. وان شئت ضف على ذلك ما تيسر من تمر و قمح .
التلميذ الجديد في الجامع يبدأ معرفة الحروف العربية ليتدرج تصاعديا من سورة الناس
فسورة الفلق ثم سورة فسورة تصاعديا نحو البقرة وعهدنا ان يقوم الكبار بتدريس الصغار
بأمر من الطالب (الدراس)، لينتهي كل يوم في الجامع بعملية القاء ما تم كتابته في اللوحة و
حفظه للكبار او ما تم قرأته للصغار وهي العملية التي تعرف في توات ( حسا اللوحة)
في صيف توات ومع العطلة الطويلة يكون الامر مختلف مع التحاق الجميع بالمدارس
القرءانية تعج هاته الاخيرة ويمتد الحجم الساعي هناك وفي العادة يصبح القاء ماتم حفظه
(حساء اللوحة) مضاعف في الفترة الصباحية والمسائية حيث يتم دخول الجامع باكر بعد
صلاة الفجر مباشرة وفي هذا تأذيب عميق على البكور والصبر.قيل للشعبي رحمه الله من
أين لك هذا العلم كله؟ قال:نفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وبكور
كبكور الغراب
بعد الصلاة يتم تلاوت ورد قرءاني صباحي وقد يختلف هذا حسب كل جامع ليعتكف بعد
ذلك الكل على لوحته ليكتب عليها ما تيسر له تباعا وتسلسلا مع الايات السابقة في حين
يتعهد الطالب بكتابة لوح الصغار او يسند ذلك للكبار لتمرر في الاخير كل الالواح على
الطالب ليصحح الاخطاء فيها ويراقب علامات التشكيل على وجه خاص وهي العملية التي
تعرف عندنا بــ (التمحاس) لترى بعد ذلك حلقات قرءانية مباركة والكل يضع لوحته امامه
ويردد ما كتبه، هذا يهز راسه وهذا يرفع صوته هذا يسأل هذه عن ايات لم يفهمها
(يتدارسونه بينهم…..) ولا شك ان الجوع كان يعمل في الطلبة ما يعمل مع طول المكوث
بالجامع وقد كنت حين اذن لا اصبر فابحث عن حجة للخروج للبيت لاجل اسكات صفير
بطني واجلب معي تميرات يابسة في جيبي اتكرم على رفقتي بشق تمرة خفية على الطالب
الذي لن يمر عليه الامر بسلام لو علم ذلك.
العقاب والضرب كان حاضرا في الجامع ولم يشتكي احد. منه بل في اعتقادي كان وسيلة
تأذيبة وردعية فكانت يد الطالب لا تخلوا من عصا من النخيل او انبوب بلاستيك ولعل
صديقنا عبدالرحيم كان ينال جرعات منه على ظهره حين كان يأتي نعسان في فترة المقيل
فيتوجع من ما اخذ فـ أواسيه قائلا من ما سمعت ( لا تخف واصبر ولا تنسى ان اي مكان
ضربك الطالب عليه من جسدك لن تلمسه نار جهنم) .
الفترة المسائية كانت تختم بتلاوات بعض المتون والادعية كمتن ابن عاشر ومتن العبقري
ومتن الاوجالي وغيرها وقد يختلف يوما عن غيره في بعض الجوامع فكان يخصص
البعض يوم الأربعاء لتلاوات متون خاصة وشرحها من طرف الطالب وهي طريقة خاصة
وسهلة لتعليم الفقه واصول الدين وتعليم العقيدة.
فصل الصيف كان يعرف ختم عدد كبير من الطلبة فكان يحتفى بهم في اجواء خاصة فيؤكل
الكسكس ويعزم الاهل وتزين اطراف الخاتم بالحناء و يلبس البرنوص وتزخرف لوحته
وتتشرف بنظرة عدد من المدرسين (الطوالب) يوقعون عليها بالتحميص والتشكيل
والزخرفة .
عبدالواحد عبدالغني