بن بو زيد لخضر أستاذ بجامعة محمد خيضر بسكرة الطاسيلي آزجر في ما قبل التاريخ المعتقدات والفن الصخري العبادات الطوطمية في الطاسيلي

بن بو زيد لخضر أستاذ بجامعة محمد خيضر بسكرة الطاسيلي آزجر في ما قبل التاريخ المعتقدات والفن الصخري العبادات الطوطمية في الطاسيلي

بن بو زيد لخضر
أستاذ بجامعة محمد خيضر بسكرة
الطاسيلي آزجر في ما قبل التاريخ
المعتقدات والفن الصخري

العبادات الطوطمية في الطاسيلي
يعرف سيجموند فرويد الطوطمية : «أنها نظام ينوب مناب الدين لدى بعض الأقوام البدائية
وهي تمثل أساسا بالحيوانات ولكن أيضا هناك النباتات وحتى الجمادات ، ففي مصر القديمة
كانت زهرة اللوتس ترمز إلى اله الشمس ، وكل الآلهة المصرية هي ذات جذور حيوانية
فقد عبدت الحيوانات لذاتها في شكل عقيدة طوطمية تعكس انحدار الناس من حيوان
معين فالطوطمية هي نظام ديني واجتماعي في نفس الوقت يدرس بعض الباحثين تطور
الأديان منذ ما قبل التاريخ وصولا إلى الحضارات القديمة فقد عبدت الحيوانات لذاتها في شكل
عقيدة طوطمية ، ثم في مرحلة لاحقة وتحت وطأة الصعود الروحي للآلهة أصبح التعبير عن
الجذور الحيوانية رمزيا بحيث يتم رسم الإله أو تمثاله الحيواني ، أما في مرحلة الانحطاط
الأخيرة فقد طغت عبادة الحيوان في حد ذاتها باعتبارها آلهة.
و الباحث بيار ميتس يقول : إن لدى الشعوب البدائية لكل فرد طوطمه أو الروح المفضلة لديه
وفي بعض الأحيان نسميها الروح الحارسة وقد تتخذ شكل حيوان لا يمكن أن يصطاد أو يقتل
ولا يتم أكل هذا الحيوان وكثيرا من العشائر الهندية في أمريكا تقوم برسم طوطمها بطريقة
الوشم على الأجسام .
كما تذكر المصادر القديمة أمثلة عن العبادة طوطمية في بلاد المغرب القديم فديودور
الصقلي يخبرنا بوجود قبيلة تعيش معها القردة ضمن العائلة ، وهي تحترم بشكل كبير
وتعاقب بشدة كل من يؤذيها كما أن الأفراد يتخذون أسماءها ، أما قبيلة البسيل في
منطقة السرت فلها علاقة عجيبة مع الأفاعي على عكس جميع الليبيين فهؤلاء البسيل
يعرضون الأولاد الجدد على الأفاعي فإذا لمس الطفل الأفعى فان ذلك يعني أن هذا الطفل هو
فعلا ابن والده ،ويذكر في هذا الإطار قزال ان كلمة البسيل قد تعني الأفعى .
والأمثلة عن الطوطمية كثيرة فالطوارق منذ عدة قرون يعتبرون حيوان الورن خال
لهم فهم لا يصطادونه ولا يأكلون لحمه وهم يمتنعون أيضا عن أكل الطيور والأسماك وهذا
الأمر يذكرنا بمشاهد لمس الحيوانات المتوحشة من طرف أشخاص وهي متواجدة بكثرة في
الطاسيلي خاصة في وادي جرات، فمن الممكن أن تلك الحيوانات كانت مقدسة تعد بمثابة
الطوطم ،والعديد من الشعوب اليوم تعطي الإنسان أسماء حيوانية أو نباتية أو أشياء جامدة يدل
ذلك على ثقافة ذات أصول طوطمية على حد تعبير الباحث هاربرت سبانسر بينما شعوب
أخري تنظر إلى حيوانات معينة كرمزلها ولدينا أمثلة عن ذلك في الدب الروسي والديك
الفرنسي والعبادة الطوطمية ترتبط بمجموعة كبيرة من المحرمات ونحن نجد الكثير منها في
فن الرؤوس المستديرة ،كما أن الكثير من الزينات التي نجدها لدى شخصيات الرؤوس

المستديرة مثل الريش على الرأس والزوائد المختلفة والقرون وحتى الحلي والأقنعة التي
يرتدونها من الممكن أنها رموز طوطمية ، وقد ذكر الباحث لامينغ امبرار أن الرموز في
الرسوم الصخرية كالذيول والأقنعة الحيوانية ترمز إلى
الحيوانات الطوطمية و الكائنات الأسطورية التي تمثل شخصيات إنسانية برؤوس
حيوانية قد تمثل حيوانات طوطمية يحاكيها الإنسان في مظهرها .
فسر الباحث جيراد جاك مشهد يمثل راقصين حول بقرة في نقوش هضبة المساك على أنها تعبر
عن طقوس لعبادة الأبقار،من جهة ثانية فإن وجود الكثير من التماثيل الحجرية تدل على عبادة
الأبقار على حد تعبير هنري لوت وهذه التماثيل أكتشفها الباحثون قرب الرسوم الصخرية وفي
الأماكن نفسها تتواجد بقايا الفخار، ويبدو أنه في مرحلة البقريات وبخاصة أسلوب اهرين –
تاهيلاهي بلغ الاعتناء بالأبقار ذروته فقد أصبحت مقدسة واليها تعود أيضا هذه التماثيل ،
وتعتبر جانيت اوماسب أن وجود تماثيل للأبقار في موقع تين هنكاتن يدل على أنها حيوانات
مؤلهة و ترتبط بقايا الأبقار برسوم فريدة من نوعها في الملجأ نفسه تمثل طقوس لعبادة
الأبقار تظهر فيها مجموعة من الأشخاص يحيطون بثور،كما أن إحصائيات حول الفن
الصخري أظهرت أن من 6الى 13 بالمائة من الصور في الجنوب الوهراني تمثل أبقار وترتفع
النسبة إلى 20 بالمائة في وادي جرات مما يؤكد أهمية الأبقار الدينية للإنسان لان الإنسان
إنما كان يرسم الحيوانات التي لها أهمية دينية له وذلك في غالب الأحيان .
وفي الإطار نفسه ينقل ڤزال عن سترابون النص التالي: « يوجد في موريتانيا حيوانات
أسطورية تشبه الثيران ولكن في قوتها وشكلها ونوعية حياتها تقترب من الفيلة »
وفي القرن الخامس الميلادي يذكر كوريبوس أن عبادة الثور كانت منتشرة بين
القبائل الليبية في منطقة السرت ويسمونه " قورزيل" الذي ولد من الإله أمون ومن بقرة
وكانوا يجسدونه في بقرة يرهبون به أعدائهم في بداية المعركة ويعتبرونه قائدا لهم الحرب
ما في مصر فان الإله أبيس الذي تعود عبادته إلى الأسرة الأولى يمثله ثور يحمل هلال القمر
على ظهره أو ببقرة تخصب بواسطة شعاع من القمر
،كما جسدت الأبقار بالآلهة حتحور التي تعطي الحياة وتحمي الموتى والتي تحولت فيما بعد إلى
ربة الخصب أما في بلاد المغرب كان يرمز إلى الالهة بشكل عام بهلال وقد انتشرت عبادة
الربات القمريات بين الشعب في القرن الأول الميلادي على ما يذكره شارل بيكارفهل يشكل هذا
دليلا كافيا للبرهنة على وجود عبادة للأبقار في الصحراء خلال العصر الحجري الحديث؟.
إذ لم تكن كذلك فإن معطيات أخرى تعطيها لنا الرسوم الصخرية ،فقرون الأبقار
أصبحت رموزا للآلهة الأنثوية مثل "السيدة البيضاء" التي تعتبر ربة للخصب فهي تحمل
فوق رأسها قرنين عظيمين ،كما أن الكثير من المشاهد المعبرة عن الأسطورة نجد فيها
شخصيات ذات قرون ونجدها دائما في وضعيات الرقص الطقسية ، وهو ما يدل على
قداسة الأبقار التي ترمز للقوة و الغنى و يمكن أن تكون صورة عن الآلهة أو أنها ترمز إلى
القرابين لدى الشعوب المختلفة.

وقد انتشرت لدى بعض الشعوب الإفريقية اليوم ظاهرة تشويه قرون ، كما أنها كانت

منتشرة في الصحراء و بلاد النيل في فترة ما قبل التاريخ وهذا ما تؤكده الرسوم
الصخرية ، وهناك أشكال مختلفة منها لوي القرون وكذلك وضعها في شكل
متوازي حيث توجد في جبارين ووادي جرات رسوم ونقوش لأبقار ذات قرون
متجهة إلى الأمام و هو ما قد يدل على نوع من التشويه أو لوي القرونوقد تكون
معدة من اجل التضحية ، فقد ذكر هيرودوت أن الليبيون يقومون بقطع جزء من أذن
الضحية ، و يرمونها فوق البيت ثم يقومون يلوي عنق الضحية ونجد اليوم لدي
بعض الشعوب الإفريقية في أعالي النيل كشعب الدنكا ،وشعب النوي
ظاهرة تشويه القرون وفي الفن الصخري وجدت بالفعل أبقار قرونها تشكل دائرة ، كما وجدت
أبقار تختلف قرونها في الاتجاه بشكل معاكس ،و أبقار أخرى ذات قرون متوازية وأخرى
ذات قرون إلى الأمام، وعن هذه الأخيرة يشير هيرودوت إلى أن الجرامنت لهم أبقار
ذات قرون متجهة إلى الأسفل بحيث تغرس في الأرض كلما حاولت السير إلى الأمام
لذلك فهي ترجع إلى الوراء في رعيها ويؤكد الباحث كامبس وجودها في الفن الصخري ومن
خلال البقايا الأثرية للأبقار فان 30 بالمائة من الأبقار كانت ذات قرون إلى الأمام وذلك بين
الألف السادسة والرابعة قبل الميلاد ولم يتم التأكد بعد من أن قرونها طبيعية أم تم لويها من أجل
التضحية بها .
إضافة إلى تشويه القرون أو تزينها فإننا نجد أيضا زوائد بين القرون في مشاهد
الأطلس الصحراوي متمثلة أساسا في قرص الشمس ، وتعد هذه الظاهرة الأكثر انتشار
ومتعلقة بالكباش التي تحمل قرص بين قرونها، من الأمثلة عنها كبش بقرص الشمس في
حجرة سيدى بوبكر الواقعة جنوب الجلفة فهذه الزوائد الطقسية الموضوعة فوق رأس الحيوان ،
وكذلك وضعية المصلى التي تتخذها الشخصيات الذكرية خصوصا الموجودة إلى جانبه ، تدل
على تقديس الكبش وارتباطه بعبادة الشمس من خلال القرص الوجود بين قرنيه ، وربما يكون
معد للتضحية من اجل الشمس الإله العلوي في بلاد المغرب في ذلك الوقت ، وهو ما نجد أمثلة
عنه في وادي جرات بالطاسيلي ولكن يتعلق الأمر بالأبقار لان مشاهد الكباش نادرة في
المنطقة حيث يدل ذلك على تقديس هذه الحيوانات واقترانها بعبادة الشمس والقمر.
هذا بالنسبة للأبقار أما الأروية والظباء فقد كانت لها مكانة كبيرة خاصة في المرحلة
القديمة حيث تمثل إضافة إلى الآلهة الكبرى والمصليات ثلاثية مقدسة نجدها في معظم
المشاهد التي تعود إلى المرحلة القديمة ، وهي تعد حيوانات مقدسة في أسلوب الشياطين
حيث تضع الشخصيات قرونا للظباء أو أروية في مشاهدها الطقوسية ( )414وتعد الحيوانات
المفضلة في القرابين في مختلف الأساليب الفنية التي يمثلها الصيادين خاصة مشاهد الآلهة
الكبرى و مشاهد المريخيين .

تعليقات
تحميل البيانات ....

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ أكثر