الرسوم الصخرية لعصور ما قبل التاريخ
الرسوم الصخرية لعصور ما قبل التاريخ
الرسوم الصخرية لعصور ما قبل
التاريخ في ليبيا
م.د. جبار حميدي محيسن الربيعي
جامعة القادسية / كلية الفنون الجميلة
الصحراء الكبرى
أكدت الأبحاث الجيولوجية، أن الصحراء
-الليبية- في عصور ما قبل التاريخ ، كانت غزيرة الأمطار، كثيرة الغابات ، تتخللها الكثير من الأنهار ، وهذا يؤكد على أن هذه المناطق كانت مأهولة بالسكان في ذلك العصر من التاريخ القديم. وكذلك هو الحال بالنسبة إلى مناطق غرب ليبيا، فإن إقليم جبل نفوسة وسهل جفارة ،فمن المرجح أن ظروفها لم تكن تختلف عن ظروف المناطق المشابهة في تونس حيث وجدت الكثير من آثار ما قبل التاريخ في تونس يقابلها العثور على بعض الآلات الحجرية الصوانية في جهات متفرقة من إقليم جبل نفوسة وسهل جفارة، وهو ما يدل على الاتصال المباشر والتعاون بين سكان تلك المناطق في ذلك العصر وفي مقاربات أخرى فيما يتعلق بالجنس البشري ، وعن علاقة ليبيا بمحيطها الإقليمي خلال العصر ا لتاريخي ، تشير بعض المراجع إلى أن ليبيا كانت مقسمة إلى قسمين
الأول: الجهات الساحلية وكان يسكنها الليبيون الذين يعتبرون أسلاف البربر الحاليين.
والثاني: الجهات الداخلية وكانت تسكنها عناصر متأثرة بالدماء الزنجية
وتضيف بعض الدراسات الأدوار أو العصور الأخرى مثل
عصر (دور) الخيل أو (الحصان) ويبدأ من بعد القرن الخامس عشر قبل الميلاد ويطلق عليه عصر. الجرمنتيين في فزان عصر( دور ) الجمل وزمنه يرجع إلى القرون الأولى من العهد الميلادي وقد (نقل السبئيون
معهم إلى أفريقيا الشرقية الجمل والحصان وبحلول هذا التاريخ، تمت عملية التصحر في شمال
أفريقيا فاستعيض عن الحصان بالجمل “صديق الصحراء” كما يظهر في فن الرسم على الصخور والذي يعكس حياة الناس في ذلك العصر
ومن حيث الطبيعة البشرية ، فإن التراث الفني يظهر بوضوح رسوم الأشخاص في المراحل الأولى والتي تتجسد من خلال العلاقات الاجتماعية صورة المرأة وصورة الرجل وصور الجماعات أجناس البشر زنجي ، متوسطي ، حامي و أوضاعهم البشر مع الطبيعة صيد ورعي الحيوان .
أما من حيث الطبيعة الجغرافية فإن المواقع التي اكتشفت فيها الكنوز الفنية والتي حفظت تلك الكنوز هي مواقع تسيلي : وتعني كلمة تسيلي في لغة الطوارق ( هضبة الأنهار) ، حيث جفت الأنهار لاحقا، ولا توجد غير الوديان الجافة القاحلة .والهضبة تقع في الشمال الشرقي من الهجار وتمتد إلى داخل حدود فزان
الشرقية وهضبة تسيلي التي تحتوي على العديد من الكهوف، هي سلسلة جبلية من الحجر الرملي طولها يقارب الخمسة آلاف ميل ويتراوح عرضها من ثلاثين إلى أربعين ميلا وأهم مناطق تسيلي، تين بجج، تين أبوتيكا، تمريت، جبارين، عوانريت، تين تزاريفت، سفر، عجفو، عوان أبو وغيرها .
. وتوجد هذه الكهوف فوق هضبة مرتفعة تبلغ 500م عن سطح البحر، يجاورها جرف عميق في منطقة تتواجد بها نسبة كبيرة من الكثبان الرملية المتحركة. تحتوي جدران هذه الكهوف على مجموعة من النقوش التي تمثل حياة كاملة لحضارة قديمة. ومن تواريخ الحملات الاستكشافية الأولى، فقد كان الوصول إلى اكتشاف هذه الكهوف صعبا ومتأخرا، نتيجة لوقوعها في قلب منطقة-جبارين-حيث الصحراء قاحلة والمناخ شديد الحرارة. وعن أشكال الرسوم البشرية التي تحتويها مواقع تسيلي، يذكر لنا المستكشف الفرنسي هنري لوت ((كان بعضها يتسم بسمات أوربية، وبعضها الآخر برؤوس مستديرة مخططة تخطيطا، وبعضها الآخر كانت رؤوسها عبارة عن عصي)). وعن حيوانات المنطقة يذكر لوت ((وتحتل
الحيوانات المركز الأول في هذا المعرض الفني لما قبل التاريخ)) ويضيف أيضا ((والزرافات والماشية، والخيل المشدودة إلى العربات الحربية، والخيل التي يمتطيها محاربون مسلحون بالجريد، والكلاب
مواقع تادرارت أكاكوس: إن إسم أكاكوس ((يطلق على طرف الكتلة الصخرية التي ترى من غات ومن تانيزوف ويسمى بهذا الأسم كذلك الجزء المتجه نحو الغرب بما في ذلك المنحدر الحاد الذي يحاذي طريق طرابلس سردليس– غات. أما إسم تادرارت فيطلق بالتخصيص على باقي الجبل إلى القواعد المتصلة بالكثبان الشرقية: مناطق تين العاشق، تين لالات، وادي كيسان، وادي عويص، وادي ايكي، أنشال، وان موهجاج، وان أميل، وان تماوات، الحراريق، وغيره. .
المناطق الساحلية: وهي قليلة الأعمال الفنية المكتشفة مقارنة بالمناطق الجنوبية بما يتعلق بفنون ما قبل التاريخ. فقد ((كانت ليبيا عند (هيرودوتس) تبدأ من غربي النيل وتمتد حتى شاطئ المحيط الأطلسي، ومن الجنوب كانت تحدها بلاد الأثيوبيين السود ذوي الشعور التي تشبه الصوف. ووصف هيرودوتس ليبيا الشرقية – وهي تقريبا ليبيا الحالية- أنها مأهولة بالبدو الرحل وعدد قبائلها الى عشرة قبائل.
وفيما يتعلق بالشمال الأفريقي الذي يتداخل مع وسط القارة السمراء، والذي يتوحد في موروثه الفني والحضاري من خلال العلاقات المتبادلة بين أبناء المنطقة الممتدة في الصحراء الكبرى خلال العصور البدائية التي تمتد إلى10000 ق.م. حيث توجد أمثلة متعددة ومتشابهة لنقوش الحيوانات ومنها نقوش الأبقار ونقش الثور المميز بشكل القرنين البارزين إلى الأمام المحفور بأحد الجدران الصخرية في وادي الخيل والذي يقع جنوب غربي مزدة مع مواقع أثرية كثيرة في فزان ،ومواقع في منطقة أكاكوس فيمكن ملاحظة التماثل في المواضيع بين نقوش هذا الموقع ونقوش الجزائر الصخرية في الشمال والصحراء على السواء خصوصاً فيما يتعلق بالرسوم ذات المدلول الطقوسي المرتبط بالخصب .
كما تشمل كذلك العصور اللاحقة المتمثلة بتأثيرات الحضارة الفرعونية التي تركزت على حوض النيل والتي أسهم فيها أبناء مصر وليبيا والسودان على وجه الخصوص والتي تتجاوز قبل3000 الميلاد، يقول الإيطالي باولو قرازيوسي في تقديمه لكتاب –تادرارت أكاكوس : الفن الصخري وثقافات الصحراء قبل التاريخ لفابريتشيو موري(،( وإذا ما فكرنا في محاولة المقارنة ، ولو بشكل عام ، بين فن الأكاكوس حتى ما كان منه ضارباً في القدم وبين حضارات أخرى معروفة فإننا سنتجه إلى وادي النيل و يظهر
واضحاً أنه في أزمنة سبقت كثيراً السلالات الأولى الحاكمة نما فن رسم مركب ومحدد من حيث التقنية والأسلوب، فن اقتضى تطوره مرور بعض الآلاف من السنين في المناطق الصحراوية العسيرة والتي ظلت حتى ذلك الوقت خصبة عامرة بالسكان. أما عن المناطق شبه الصحراوية، فتحمل لنا صور اللوحات المنقوشة على الصخر منذ ذلك الحين ، أشكالا غنية بالخصب ومفعمة بالحياة حيث مازالتا لواحات الكثيرة المنتشرة في الصحراء الليبية الشاسعة إلى اليوم ، تقدم الدليل القاطع على ذلك والصحراء الليبية التي تزيد مساحتها عن1،وهي تشكل الجزء الأوسط من الصحراء الأفريقية الكبرى1.500.000 كم مربع .
والرسوم المكتشفة في مناطق الصحراء الليبية المختلفة تؤكد على أن أنها لم تكن طيلة الوقت صحراء قاحلة كما هي الحال الآن بل كانت في وقت ماض تتمتع بمناخ دافئ ممطر جعلها مليئة بالحياة النباتية والحيوانية . ولعل اكتشاف النفط مؤخرا فيها هو خير دليل إثبات إذ أن من المعروف أن النفط ناتج عن مواد عضوية- نباتية وحيوانية أما في مناطق الوسط والجنوب الأفريقي فإن مشتركات الموروث الفني لا تخرج عن سياق الدوافع والأغراض التي تميزت بها المناطق الأخرى من أفريقيا مع فارق السبق الحضاري الذي تميز به الشمال الأفريقي لأسباب متعددة من أهمها قرب موقعها الجغرافي من مراكز التحضر في المناطق المختلفة للمجتمعات على مر العصور.
ويمكن القول ، بأن أفريقيا قد عرفت حضارات عريقة وضاربة في القدم عاصرت أو سبقت الكثير من الحضارات القديمة في آسيا وأروبا وأمريكا، متمثلة بالثروة الهائلة من اللوحات الفنية المرسومة والمحفورة على الصخور في عصور ما قبل التاريخ . وخير شاهد على ذلك هو ما اكتشفه الأثريون من أعمال فنية تزخر بالحياة المختلفة في مناطق تسيلي وتيبستي ومناطق أخرى في الصحراء الكبرى أو في مناطق أفريقيا الساحلية أو الشرقية أو في جنوب الصحراء (( وما خلفه أبناء أفريقيا من إرث حضاري حول نهر السنغال ونهر النيجر وبحيرة تشاد ونهر النيل و والتي تعبر عن حياة سكانها في عصور ما قبل التاريخ و علاقتهم الحضارات المجاورة فبالإضافة إلى عامل الجغرافية الذي يسر التفاعل بين سكان ليبيا القديمة والمصريين القدماء، إلا أن سكان ليبيا القديمة لم يكونوا بعيدين عن الاتصال بقارة آسيا حيث حضارة وادي الرافدين التي كانت ترتبط مع شمال أفريقيا باليابسة قبل فتح قناة السويس، ولا يفصل بينهما سوى البحر الأحمر الذي (( لا يزيد عرضه في أوسع مكان له عن 350كم ويضيق في بعض المناطق حتى يصل إلى 200كم وإن قارة أفريقيا
قريبة من آسيا عند مضيق باب المندب .والشواهد التاريخية تدلل على أن ذلك كان وراء اتصال واختلاط العرب القدماء في آسيا بسكان أفريقيا. ويذكر الحموي بأن ((حد أفريقيا من طرابلس الغرب من جهة برقة والإسكندرية إلى بجاية.
ولسكان الصحراء الكبرى -والتي يقع الجزء الأكبر منها في ليبيا-فضل كبير في حركة التفاعل التجاري والاجتماعي والحضاري مع مناطق جنوب الصحراء، فهي التي ((تمتد من سواحل المحيط الأطلسي غربا حتى حدود سودان النيل في الشرق، أي لمسافة 4000كم. كما إنها تمتد لمسافة 1500كم ما بين الشمال والجنوب، وتبلغ مساحتها بحدود ثلاثة ملايين ميل مربع مما يجعلها أكبر صحراء في العالم)) وفي وصف جميل لهذه الصحراء على أنها وسيلة اتصال، فهي ((يمكن تشبيهه
بالبحر تتناثر على شواطئه في الشمال والجنوب المدن كالموانئ.
م.د. جبار حميدي محيسن الربيعي
جامعة القادسية / كلية الفنون الجميل