لطاسيلي آزجر في ما قبل التاريخ المعتقدات والفن الصخري
لطاسيلي آزجر في ما قبل التاريخ المعتقدات والفن الصخري
بن بو زيد لخضر
أستاذ بجامعة محمد خيضر بسكرة
الطاسيلي آزجر في ما قبل التاريخ
المعتقدات والفن الصخري
ان الإنسان مارس طقوس مختلفة تدل على الإيمان بحياة أخرى بعد الموت وعبر عن
خشيته من الموت وأمله في الحياة الأخرى بطقوس دفن مختلفة وكذلك برش الجثث بالمغرة
فاللون الأحمر يدل على تجدد الحياة، ووضعيات الدفن هي الأخرى تعددت وكانت
الوضعية الجنينية الأكثر انتشارا في الصحراء فقد اكتشفت جثث في تين هناكتن مدفونة
وفق هذه الوضعية من جهة ثانية ذكر هيرودوت وضعية دفن غريبة كانت لدى
النسامون تتمثل في أنهم كانوا يحرصون على أن يكون الشخص جالسا
عندما يسلم الروح فلا يموت ممدا على ظهره ويدفنون على تلك الوضعية وهناك وضعيات دفن
أخرى فقد كانت الجثث تطوى أو تحزم وأحيانا يتم تعريتها من اللحم
ويرش ترابا اصفر على الجثة ،بالإضافة إلى الأثاث الجنائزي الذي يوضع مع الميت()191
،فقد كان الإنسان يعتقد على نطاق واسع في العالم بوجود حياة بعد الموت، هذه الحياة
يمكن أن تكون على القمر أو الأرض أو في المحيط أو البحر أو في مكان أخر(،)199كما
كان الإنسان يحتفظ بعظام أجداده فقد كان يدفنهم تحت أرضية الكهوف حيث يعيش مثلما هو
الأمر في منطقة كتال هويك بالأناضول . وتمارس شعوبا عديدة طقوس العبور بالميت إلى عالم
الأجداد ، بل ويقوم الناس باستشارة الأجداد الميتين ويحتفظون بتماثيل لهم في بيوتهم فلدى
شعب الدوغون في مالي طقوس مختلفة ولهم علاقة عجيبة مع أجدادهم، ونحن نعتقد أن حياة
الدوغون التي أثارت طقوسهم فضول العلماء قريبة الشبه بحياة الرؤوس المستديرة فالأقنعة
واللباس
والطقوس الذي يرتديه الراقصون المقنعون تكاد تطابق مع المشاهد الصخرية ومن الأخبار
التي يذكرها هيرودوت عن السكان القدامى في بلاد المغرب والصحراء أن
النسامونعندما يحلفون يقومون بوضع أيديهم على قبور أشخاص عرفوا
بالنزاهة في حياتهم ويقسمون على ذلك، ويعد هذا نوع من تقديس الأجداد وعرف عن
النسامون أيضا أنهم يقومون بالنوم فوق القبور وكل ما يأتيهم من حلم أثناء نومهم يعتبرونه
بمثابة الوحي ويعملون به، وهنا يذكر ڤزال أن نساء الطوارق يقومون بالنوم قرب
القبور من أجل معرفة أخبار أزواجهم الغائبين أما في المشاهد الصخرية فإن اللون الأبيض يعبر
عن الموت ، وكذلك تعبر عن الموت المشاهد التي تمثل شخصيات سابحة في منطقة اونرحات
ففي المشهد الذي سماه هنري لوت باسم" السابحة ذات الصدر على الظهر نلاحظ وجود مبالغة
في حجم اليدين قد يدل ذلك على الموت ،وفينفس المنطقة نجد مشهد "المرأة الزنجية ذات الصدر
المزين" حيث توجد صورة امرأة متراكبة معها بلون ابيض وهي سابحة أيضا قد
تكون معبرة عن الموت وفي صفار يوجد مشهد معبر عن الحياة الاجتماعية حيث
يوجد نساء وأولاد وعلى اليمين داخل دائرة نجد شخصية مستلقية على الظهر يبدوا عليها
السكون
وفوق هذه الشخصية يوجد طفل ينتحب عليه ، يمكن أن يعبر هذا المشهد عن الموت مع أنه
قد يحمل تفسيرات أخرى . الملاجئ المزينة تعتبر دائما بمثابة بوابات بين العالم الحقيقي والعالم
الآخر فقد كانت تقام فيها مراسيم احتفالية لتكريم الآلهة والمعبودات وكل المقدسات ويشكل
وجود
الإنسان فيها مناسبة للتضرع وطلب الخصوبة حيث تظهر النساء في المشاهد وهن رافعات
أيديهن إلى السماء ينظرن باتجاه الإله الكبير ويحتمل انه كان يوجد تمثال كبير يجسد الإله
في ذلك المكان ، ويتم تقديم الأضاحي في الحال وهي غالبا حيوانات الأروية أو الظباء أو
بعض الطعام وتقام الطقوس باستمرار أمام تمثال الإله في صفار حيث يأتي الناس
من كل مكان إلى المعبد ، وتوضح إحدى المشاهد الصخرية بالفعل صعود الناس إلى الجبال
وهم مجموعات من الرجال والنساء والأطفال .
يجسد الكاهن ال قيم على الإله كل تلك المراسيم برسم جداري ضخما تكريما للإله ومع
مرور الزمن يبقى هذا المكان مقدسا للمجموعات البشرية الساكنة حوله وحتى البعيدة عنه،
ويلجأ من حين لأخر لوضع إضافات فوق المشهد تبعا للضرورة الدينية وهذا ما يفسر وجود
تراكب للمشاهد.
يميل الباحث لوروا كورهان إلى القول بوجود وجود دين للكهوف أو عبادة للكهوف باعتبارها
أماكن مقدسة حيث اتفق الباحثين على اعتبار الكهوف نوع من المقابر والكثير منها فعلا هو
غير قابل للسكن وصعوبة المرور إليه ودخوله والوصول إلى الجدران المزينة مثل مغارة
نيوزأو الإخوة الثلاثة المتواجدتين في بفرنسا فهي عبارة عن متاهات حقيقيـة ورغم أن مناطق
التاسيلي مختلفة عن أوربا حيث لا توجد فيها الكهوف العميقة ذات الممرات، إلا أن العديد
من الملاجئ الصخرية موجودة في مناطق جبلية صعبة المسالك مثل صفار ، جبارين
تيسوكاي، تان زوميتاك .
أماونرحات تمتاز بمشاهد روحانية كثيرة ، وان كانت هذه الأخيرة يبدوا فيها المظهر
السحري غالبا على عكس صفار وجبارين حيث تشبه المظاهر الدينية المعروفة في العصور
القديمة.
ومنطقة تين هناكتن كانت أيضا ذات أهمية دينية ليست فقط للرؤوس المستديرة بل
لشعوب مرحلة البقريات وشعوب مرحلة الحصان والعربة أيضا ، فقد كان الكهف الواسع
محلا لاستقرار هذه الشعوب وممارستها لطقوسها التي جسدتها على الصخور ، كما أن
اكتشاف تماثيل حيوانية وأخرى شبه إنسانية في المكان يدل على انه كان بمثابة معبد لإنسانا
المناطق التي تشبه كهوف أوربا فهي منطقة تين هناكتن ومنطقة إن اتينان ،هذه الأخيرة تتواجد
فيها الرسوم في مكان مظلم معزول و مدخله ضيق ، وقد لوحظت هذه الظاهرة في بعض
الأماكن تشكل استثناء لكل مشاهد الرؤوس المستديرة التي تتواجد الرسوم فيها عادة في الهواء
الطلق لم يتم اختيار هذه الأماكن بالصدفة وذلك لأنها تمثل مناطق مقدسة لشعوب الرؤوس
المستديرة .
ونجد تشابه بين معابد صفار وجبارين الجبلية وبين المعابد المصرية فإذا عرفنا أن المعابد
في مصر هي أماكن للزيارة والتعبد ولا يحتشد فيها لممارسة الطقوس، ولا هي للكهنة
يمارسون فيها الشعائر المقدسة أمام الناس، فالمعبد المصري لا يستقبل الناس بل هو تحديدا
المكان الذي يبالغ فيه بحماية وإخفاء الإله فيه، فقلب المعبد مكان سري ، يتم الذهاب إليه
عبر بوابات عديدة وكلما وصلنا إلى الداخل ازداد المكان ظلمة فلا يصله إلا الكهنة
المخولون بذلك وهناك يوجد التمثال المقدس للإله وعلى عكس المعابد المصرية
المراسيم كانت تتم قرب الملجأ المكشوف في صفار إذا كانت الأوصاف التي قدمها خزعل
الماجدي للمعبد المصري صحيحة فإنها قريبة الشبه بمعابد صفار فكلاهما صعب الوصول إليه
، فطبيعة صفار وجبارين وتامريت الجبلية ذات الصخور الحتية والتي سماها هنرى لوت غابة
الحجارة تمثل كتل صخرية تتخللها الأودية ،وبالنظر إلى طبيعة المناخ والغطاء النباتي في ما
قبل التاريخ فهي عندئذ منطقة معزولة ومغطاة بالغابات وهي بذلك ملائمة لظهور ديانات
روحانية إذ أن الهدف الديني واضح من اختيار أماكن انجاز هذه الرسوم ، خاصة الصور
الأقدم في مرحلة الرؤوس المستديرة (أسلوب الآلهة الكبرى والمريخيين ) وهي الأكثر تعبيرا
عن الدين بالإضافة إلى أسلوب السحرة (الشامانين) الذي ينتمي إلى المرحلة المتطورة
،فالرؤوس المستديرة اختاروا المناطق المرتفعة كمراكز دينية لهم .
ولا تعد منطقة صفار الوحيدة من حيث الأهمية بالنسبة للرؤوس المستديرة فمنطقة اونرحات
تمتاز بمشاهد روحانية كثيرة ، وان كانت هذه الأخيرة يبدوا فيها المظهر السحري غالبا على
عكس صفار وجبارين حيث تشبه المظاهر الدينية المعروفة في العصور القديمة.
ومنطقة تين هناكتن كانت أيضا ذات أهمية دينية ليست فقط للرؤوس المستديرة بل
لشعوب مرحلة البقريات وشعوب مرحلة الحصان والعربة أيضا ، فقد كان الكهف الواسع
محلا لاستقرار هذه الشعوب وممارستها لطقوسها التي جسدتها على الصخور ، كما أن
اكتشاف تماثيل حيوانية وأخرى شبه إنسانية في المكان يدل على انه كان بمثابة معبد لإنسان ما
قبل التاريخ ، إلى جانب كونه مقبرة فقد كان يدفن فيه موتاه أيضا ، وقد اكتشفت ج
أوماسب مواقد هناك فقد كانت تقدم القرابين للآلهة فيه .
فالكهوف كانت بمثابة مقابر للإنسان إلى جانب كونها مقرا للعبادة ، والمصادر القديمة
تخبرنا عن ذلك فالقديس أوغسطين يذكر: « أن بعض معاصريه كانوا يعتقدون أنهم اقرب
إلى الله عندما يغوصون في باطن الأرض » ويذكر هذا الأخير أن السكان الأصليون
يؤمنون بوجود أرواح تحت الأرض ، وفي عهده طلب من الأباطرة القضاء على كل
الأوثان الموجودة قرب الأشجار والكهوف ، وحسب ڤزال هذه الأماكن تعد بمثابة
أماكن ولوج الأرواح تحت الأرض.
ومن الأدلة التي لا تحمل الشك في نظرنا على أن الجبال بما فيها من ملاجئ صخرية كانت
أماكن مقدسة يتعبد فيها الإنسان مشهد في جبارين يمثل مجموعة كبيرة من الشخصيات من
النساء والرجال والأولاد. نتساءل إلى أين يتجه هؤلاء؟ قد يكونوا في طريقهم لإحياء مراسيم
طقوسية في المنطقة المقدسة التي تعودوا على أداء طقوسهم فيها، حيث سيقدمون القرابين
المتمثلة في سلال الفاكهة وربما حيوانات أيضا ويبدوا أن للنساء دورا كبيرا في هذا المجتمع
فتلك السيدات البدينات مطلعات على الأسرار الدينية وهن يقدن الجميع نحو المكان الذي
يتعبدون فيه.