هل نجحت أمريكا في جعل القرار الإسرائيلي قرار أمريكي
للإجابة على العنوان لأبد من ذكر الحقائق التالية لتسلسل وجود الكيان اليهودي في المنطقة وهي:
- تأسيس الكيان اليهودي في إسرائيل دوليا كان في عام 1948م بقرار من الأمم المتحدة ، والحرب الشكلية بين العرب واليهود بقيادة رئيس أركان الجيش الأردني البريطاني الجنرال ʺأبو حنيكʺ لم تكن إلا تمثيلية لتصنيع الكيان الصهيوني ، ولم يكن في ذلك الوقت أي وزن سياسي أو عسكري للولايات المتحدة ،بل كل التخطيط كان بقيادة بريطانيا ومساعدة فرنسا، لتأسيس شرق أوسط ما بعد انهيار الخلافة العثمانية ، ولتكون إسرائيل دولة معترف بها من الأمم المتحدة وسط كيانات رسم حدودها وشكل أعلامها البريطانيون بموجب اتفاقية (سايكس بيكو)البريطانية والفرنسية.
- لم يظهر أي نفوذ ذو شأن وفاعلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م وكان ذلك بفضل التدخل الأمريكي على أثر معركة ( بيرل هاربر) الجوية والتي حدثت بعلم الاستخبارات الأمريكية وأدت إلى دعم الشعب الأمريكي لرغبة الدولة العميقة للخروج من قوقعة مبدأ (مونرو) التي جعلها تحصر اهتمامها في حديقتها الخلفية، وهي أمريكا اللاتينية ، وتم ذلك في مؤتمر ʺيالطاʺ الذي نصب الأمريكان و السوفيات قوتين أعظمين للعالم ، وتراجعت بريطانيا وفرنسا بعد خسارتهما الحرب العالمية الثانية حقيقة إلى مصاف دول الدرجة الثانية .
- إن ما يشاع عن دعم البروتستانتية الانجيلية إلى دولة يهود في إسرائيل أكذوبة كبرى ، والحقيقة أن الانجيليين والبالغ عددهم حوالي 60 مليون في الولايات المتحدة ، يدعمون إسرائيل باتجاه إقامة هيكل سليمان عليه السلام من جديد ، تمهيدا للقيامة الثانية للسيد المسيح عليه السلام ، كما ورد في العهد القديم ، وبعد ذلك يتم الاجهاز على الأشرار بقيادة السيد المسيح للنصارى ، ولا يبقى منهم إلا 140 ألف على أثر موقعة هرمجديون ((ومن هم الأشرار سوى اللذين ادعوا قتل المسيح عليه السلام)) ، كما ورد في كتاب ((يد الله)) للكاتبة الأمريكية ((جريس هالسل ))
- لا صحة لسيطرة مجلس الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة على القرار السياسي الأمريكي ، باتجاه دعم إسرائيل وإن كل ما نسمعه من أخبار بهذا الخصوص ونشاهده مباشرة ، إن هو إلا منظر خلبي لا يؤخر ولا يقدم في القرار الأمريكي، الذي يتم إخراجه في الردهات المغلقة عند حكومة الظل العميقة الحقيقية ، ومجلس الشيوخ والنواب مسيرين بقيادة رئيس الأغلبية والأقلية في مجلسي الشيوخ والنواب سواء جمهوريين أو ديمقراطيين المرتبطين في الدولة العميقة ، وما أدل على ذلك إلا القرارات التنفيذية التي يتخذها الرئيس ترامب بصورة منفردة ضد الادعاء الأمريكي لقيادتهم الديمقراطية المكذوبة والمصنعة بوصفه أكبر موظف عند الدولة العميقة لإدارة البلاد، سوى إن الدولة العميقة التي تحكم الولايات المتحدة لا تؤمن لا بدين ولا بمعتقد سوى مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية المرتبطة بمصالحها ارتباطا وجوديا ، وإن كان يوجد يهود في الدولة العميقة فهم علمانيون أيضا ، تهمهم مصالحهم ويدينون أيضا بمبدأ النفعية كما هو عند أبو الفكر الرأسمالي ( آدم سميث) وبالعكس يستغلون اليهود وينصبوهم في مراكز سياسية ومالية وإدارية خدمة لمصالح الولايات المتحدة كما هو في حالة وزيري الخارجية اليهوديين(هنري كيسنجر وأنتوني بلينكن ) وليس كما يظن بعض متخلفي سياسيي وصحفيي عرب ʺسايكس بيكوʺ حيث لا خلاف في القيم والعقلية عند الدولة العميقة في أمريكا بين أعضائها سواء أكانوا يهود أم نصارى أم حتى مسلمين وكما هو أيضا في حال الأعضاء المشاركون في مؤتمر (دافوس) السنوي في سويسرا ، والجميع يعملون لمصالح الولايات المتحدة المترابطة مع مصالحهم .
- من هذه المنطلقات الثابتة في عملية صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها عام 1776 يتضح أن الدولة العميقة هي التي تتحكم في القرار السياسي وإن مصالح الولايات المتحدة المرتبطة بمصالح ((أكابر مجرميها )) هي التي تحدد حتى ʺ أجندة ʺ الرئيس الأمريكي المنتخب حيث يتعاقدون معه بعد أن يرسموا له قواعد وأسس ومنطلقات سياسية ، وهو لا يستطيع الخروج منها وإلا تكون نهايته نهاية كندي أو نيكسون ونائبه سبيرو أغنيو ، باختصار ممنوع الخروج عن النص في مسرحية السياسة الأمريكية والرئيس.
- إذا أخذنا بعين الاعتبار الحقائق المذكورة أعلاه ، تكون سيطرة القرار اليهودي أو الإسرائيلي على القرار السياسي في أمريكا أكذوبة كبرى المقصود منها إخافة العرب والمسلمين من العصا الأمريكية التي تسوقهم إلى جزرتها ، والتي لا ترهب إلا حكام العالم الثالث الذين وصلوا إلى الحكم بانقلابات رغما عن إرادة شعوبهم ، فلا كره ولا بغض عند الدول الكبرى ، والمصالح هي التي تفرق أو تجمع .
- والدليل القريب على ذلك والذي كتبت من أجله هذه المقدمة ، هو زيارة وزير الخارجية الأمريكي السيد ((روبيو)) إلى إسرائيل والمؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ((نتنياهو)) بتاريخ 17/2/2025 بخصوص مستقبل الوضع في غزة ومتعلقاته السياسية ، وكيف بدأ هذا المسلسل (الترامبي) عندما أعلن الرئيس ترامب (ببوقه) الذي يقصد منه ليس حقيقة الموضوع ، بل رمي الحصا في المياه الراكدة ثم متابعة دوائرها سواء للانتهاء أو التدخل قبل ذلك أو التراجع المبوب المدروس مسبقا مع المستشارين ، فهو ليس كالقذافي يرمي المفرقعات ولا يعرف امتداد دوائرها ولا يستطيع أن يحدده ، بل عنده إمكانية السيطرة على هذه الارتدادات بقوة العصا أو بإعطاء الجزرة للوصول إلى ما يظنه اليوم التالي ، ولقد تمثل هذا التراجع بتصاريح عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين خلاصتها ومراحلها ، هو تراجع الرئيس ترامب عن طرحه التنفيذي ، أن تكون غزة محتلة من أمريكا إلى أن تكون حديقة جميلة بعد أن يعاد إعمارها على نفقة الدول العربية النفطية ، بعد تهجير أهالي غزة إلى مصر والأردن ، وصرح أن مصر والأردن يعارضون لكنهم سيقبلون . وبعد هذه الإهانة الكبرى تراجع إلى أن الترحيل ليس قسري إنما هو اختياري ، ثم يتم التراجع في المؤتمر الصحفي الذي جمع (روبيو) وزير الخارجية الأمريكية ونتنياهو إلى أن الرئيس الأمريكي يوافق على ما توافق عليه ، اسرائيل وأن أمريكا تدعم الموقف الإسرائيلي ، وتصريح السيد ʺروبيوʺ بأن أمريكا ستدعم إسرائيل في رؤيتها طالما أن ((روبيو)) وزير خارجية وترامب رئيسا لها ، بينما صرح رئيس مكتب الحكومة الإسرائيلية أن الموضوع هو إنهاء حماس عسكريا وسياسيا في غزة، ثم التراجع عن هذا من أن المقصود هو كسر إرادة حماس العسكرية إلى أن انتهى ʺالترامبʺ بعد كل هذه الترميمات المستهترة بالعالم العربي والإسلامي إلى أن ((التهجير ليس قسري )) وبإرادة منفردة بل هو توافقي وغير إلزامي ، يعني كما يقول المثل العربي ((كأنك يا أبو زيد ما غزيت)) ولقد أكد على كل هذه النتيجة مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط مستر ʺستيف ويكوف ʺ اخر محاولات ترقيعيه واضح أن الحماس الأمريكي المفتعل الزائد في موضوع غزة غير مرغوب لدى الساسة الإسرائيليين ويشعرون أنه توريط لهم ، وإنه بمثابة سيطرة على القرار الإسرائيلي ، يظهر أن الولايات المتحدة كما يقولون (ملكية أكثر من الملك) فلماذا إذن ؟ لا يمكن التفسير إلا من خلال أن سياسة الدولة العميقة منذ العهد ( الأوبامي) وإسقاط صدام لم يتم التراجع عنها ، وهي الاتجاه نحو شرق أوسط واسع، وإنهاء شرق أوسط (سايكس بيكو ) الأوروبي ، من خلال سياسة الفوضى الخلاقة التي أعلنتها ʺكوندوليزا رايسʺ عام 2004 بعد سقوط بغداد ، وهذه السياسة تشمل الشرق الأوسط بما فيه جغرافية اسرائيل وسياستها ومآلها كدولة يهودية ، تجاوزتها الأحداث التاريخية والجغرافية والسياسية انطلاقا لنظام عالمي جديد قد لا يكون في مصلحة اسرائيل كدولة يهودية ، وهذا الذي يخيف اسرائيل من السياسة الأمريكية ، وهذا يفسره السلوك الأمريكي المسيطر والمهيمن على القرار الإسرائيلي ، وإن هذا السلوك يقود اسرائيل في الحقيقة رغما عنها إلى ما تريده الولايات المتحدة من حيث المآل ، بحيث تضع اسرائيل في مواقف محرجة وضعيفة وإفهامها بالأفعال لا الأقوال ، أنها لن تعيش بدون الدعم الأمريكي سلاحا ومالا ومتوافقا مع سياسة ترامب بأن أمريكا لا تعطي مالا بدون فائدة ، وبهذا تستطيع أن تسيطر على قرارها السياسي ،وأن تظهر ((نتنياهو)) رئيس الوزراء كصبي مدلل عند وزير الخارجية ʺروبيوʺ لكنه يبقى صبي ، حيث تࣳفهم أمريكا اسرائيل أنها تقودها إلى مصلحتها بالسلاسل كما قال ذلك مسبقا مساعد وزير الخارجية الأمريكي في عهد كارتر ((جون بول )) والخوف عند اليهود الصهيونيين أن تنتهي بهم هذه القيادة إلى إنهاء وجودهم ككيان يهودي ويذوبون ضمن الشرق الأوسط الواسع المصيري بالنسبة لأمريكا ، حيث لا تستطيع أن تتراجع عنه لأنه أصبح جزء من النظام العالمي المتوقع وهذا ما كان يخاف منه في كتابه (مكان تحت الشمس) من أن إسرائيل قامت بموجب قرار من الأمم المتحدة كما أسستها ويخشى أن تتغير هذه الظروف التاريخية وتشطيبها الأمم المتحدة هذا ما فهمه من مسؤول أمريكي بعد الكأس العاشر عندما كانا يتبادلان الأنخاب ولذلك لن تعتمد اسرائيل إلا على نفسها في البقاء فهل تغيرت الظروف الدولية تحتم زوال إسرائيل إنه نظام عالمي سيولد ولا يرحم.
إنه العالم الغربي الرأسمالي الذي لم يرحم حتى رؤساءه ومناصريه.
محامي
د.منير الشواف